Javascript DHTML Drop Down Menu Powered by dhtml-menu-builder.com



::: عن الراحلة "أم ناهض قديح" .. المرأة الهادئة ، الرقيقة... قارئة السيرة الحسينية في النبطية :::

أضيف بتاريخ: 20-09-2018

بقلم الاديبة والكاتبة حياة جابر علي احمد:
************************************
أم ناهض قديح , , سيدة من سيدات النبطية المثاليات .
. . .
صوت آخر من النبطية لا زال صداه يصدح حتى الآن , وهو يرمز إلى امرأة هادئة , رقيقة توفي زوجها الأستاذ المُربّي حسين قديح عن عمر يناهز تسعاً وأربعين سنة , وهي لا زالت شابة في مقتبل العمر ولها سبعة أطفال حضنتهم وشملتهم بعطفها وحنانها ورعايتها , حيث كانت تعطيهم كل يوم جرعة من أنفاسها الندية ,,
عنيتُ بها السيدة الفاضلة زينب حيدر بشارة المعروفة ب " إم ناهض " . فقد كانت أتقنتْ , بعد حيازتها على شهادة السرتفيكا , قراءة السيرة الحسينية , وأقامتْ مجالس عزاء أهل بيت الرسول , حيث انغمسّتْ في حُبهم , وعندهم ترقد شكواها وألآمها الداخلية , وجُلُّ فرحتها تبرز عند اشتداد حُزنها على أُولئك العظام المظلومين ,, وكثيرا ما كانت تبكي فرحةً بنجاح أولادها , فتتنفس الصعداء في الحالتين : شاكية لهم وشاكرة .. مارست هذه المهنة خاصة في عاشوراء , وتعاونت وساهمت، إلى حد كبير وفعّال، مع زوجها عليه الرحمة في إعالة وتربية عائلتهما , وبعد وفاته تعينّن ابنها د.ناهض مدرّساً , فتعاون وساهم بدوره , ووقف الى جانبها في تنشئة وتربية إخوته ..
السيدة الحاجة الفاضلة تركتْ في قلوب مُحبّيها موقعاً لائقاً مميّزاً , فجميع أهل البلدة يحبونها ويحترمونها , وكانت أُمّي ترتاح كثيراً لحديثها الشيّق ولرقة صوتها العذب , فانعَكَست هذه العلاقة علينا جميعاً في بيتنا , مما قرّب بيننا وبين أبنائها , فهي ما أن ترانا حتى تحتضننا واحداً واحداً لتشملنا بكامل عطفها .. , كنا نحبها لأنّها تحترم الصغير كما الكبير ,, وكنت حين أقوم بزيارة صديقتي أرينب ابنتها أشعر بهدوء وسلام ,, وحين أنقل إحساسي هذا إلى أُمّي تُجيبني : " أنا أيضاً لمسته ,, وكأنّ ملائكة تحوم حول المنزل تحرسه ,, ربك لا يترك عبده الصالح يا ابنتي , وأُم ناهض سيدة صالحة على الله اتكالها , وما خاب من اتكل عليه " .. وهكذا كانت صلتنا معها إلى أن كبرتُ وتزوجتُ , فاستأذنتُها للتواصل والاستمرار في سرد السيرة الحسينية وتعليمي كل ما يخصّ أهل بيت رسول الله ,, فتوطّدت علاقتي بها وكنت آنس إلى مجالستها ,, أهتم وأصغي لها حين تحدثني وبسعادة تفوق الوصف , عن أولادها وأحفادها , وبفخر تأتي على سيرة بناتها اللواتي تعلمنّ للمرحلة الثانوية , كما تتملكها غبطة حين تبدأ بالدعاء لكبيرهم د.ناهض بالتوفيق والنجاح بجامعته في اليسوعية , مع حنينها لمن يدرس في براغ ( تشيكوسلوفاكيا ),, وشوقها وفخرها لمن تفوّق في صوفيا ( بلغاريا ) ,, فكنت أُصغي لها باهتمام مُعجبة بنضالها , وفَرِحَةً لِفَرحِها ,, ولكنها كانت تختم دائما زيارتها لي بنصيحة عن التدخين وما له من ضرر ومساوىء , فكنت أتجنّب التدخين بحضورها ,, إلى أن صُودِفَ يوم ,وبعد رحيلها بدقائق , تَطرُق مجددا الباب , فتحت لها وسيكارتي في يدي , فجمدتُّ مكاني خجلةً منها ,, بلباقة أخَذَتْ مِظلتها فهي قد نسيتها , ورَحلتْ بهدوء مُتظاهرة عدم رؤيتي .. وفي موعد زيارتها التالية , وبينما كنّا نرتشفّ القهوة معاً قالت لي " أعلم أنكِ تنتظرين رحيلي لتدخين سيكارتك , لا بأس بها الآن مع قهوتك رُغم أنّي لا أُحبّذها " ,, ومن حينها أصبحنا صديقتين : لا حاجز بيننا ولا سلطة ..
لقد كرّمتها السيدة سلمى علي أحمد , رئيسة جمعية تقدم المرأة , باختيارها الأم المثالية :
أُم ناهض تمثّل أُمّهات عدّة من النبطية : منهن من ترمّلت كما كان أزواج غيرهنّ في الاغتراب , فتفرّغنَ لتربية الأولاد وصنعنَ مهندسين وأطباء ومحامين وأُدباء وعلماء و..و..و..
كما أولاد أم ناهض : دكتور ناهض دكتوراه في العلوم الاجتماعية , ونافذ مهندس مدير معمل الكهرباء في صور ثم الزهراني , ودكتور ناجي دكتوراه في علم السموم أيضا رئيس مصلحة في وزارة البيئة والآن هو خبير بيئي على مستوى عالميّ إذ يُدعى لكلِّ المؤتمرات الدولية التي تبحث شؤون البيئة , إلى جانب شغله الخاص في لبنان في مجالات اختصاصه.. كما انه تمَّ تكليفه الآن متابعة قضية تلوث " الليطاني " , ومقترحات لخطة معالجة على مختلف المستويات .
تتملكني سعادة وفخر واعتزاز حين أستعرِض أبناء بلدتي الذين أضاؤوا الشعلة ,, شعلة المسؤولية والتضحية والعطاء والثقافة , والتي تسلَّمَها أبناؤهم وبدورهم سلّموها لأولادهم مع وصيتهم المتداولة للمحافظة عليها كي لا تُخمد ,, الحياة هبه من الله والإنسان الصالح يُنيرها , هكذا تركت أم ناهض (1922_2012) شُعلة لا تنطفىء , استمر نورها مضيئاً بمن صنعتهم وبما هم يصنعون ,,ألا رحمك الله يا سيدتي الفاضلة ام ناهض وأنار بفضلك طريق الأجيال الصاعدة ,,, طيّب الله ثراكِ ..
. . .
_____حياة_____  




New Page 1